"تاريخ الأوبئة في تونس منذ الفترة القديمة إلى الحرب العالمية الثانية وصولا إلى وباء الزمن الراهن الكورونا"
طالب سنة أولى ماجستير تاريخ العالم المتوسطي وحضارته
كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة 2020/2019 .
شهدت تونس منذ القديم انتشارا للأوبئة في فترات مختلفة وتسبب ذلك في تسجيل أعدادا كبيرة من الوفيات. ومن بين هذه الأوبئة نذكر الطاعون والكوليرا و "الكورونا" الفيروس المستجد حاليا.
كان ظهور هذه الأوبئة إما في مناطق محددة أو ينتشر على كامل البلاد وتسبب ذلك في أزمات اجتماعية واقتصادية عديدة بتونس. وفيما يلي أشهر هذه الأوبئة من الفترة القديمة إلى فترة الحرب العالمية الثانية وصولا إلى وباء الزمن الراهن "الكورونا".
في العصور القديمة
أصاب الطاعون روما سنة 252 ورغم التضحيات التي فرضها الامبراطور جوليان (361-363م)، لم تستطع الإمبراطورية التخلص منه. انتقل الطاعون بعد ذلك الى قرطاج عن طريق صقلية حيث أن كل يوم يموت عدد معتبر من الناس ولا يمكن عده. مع نهاية القرن الثالث للميلاد بدأ تراجع الدولة الرومانية وعرفت تونس حروبا أهلية وانتشارا للطاعون في فترات مختلفة.
تواصل ظهور الطاعون بتونس حتى الفترة الوندالية (429-533) وذلك حسب فكتور بيكاي.
مع قدوم البيزنطيين (533) ظهر الطاعون من جديد، وقد سجل خلال حملة سليمان ضد سكان الأوراس بين سنتي 542 و543.
في العصور الوسطى
مع قدوم المسلمين بداية من سنة 647، لم تظهر أي بوادر للأوبئة في تونس ولكن ذلك للأسف لم يتواصل، فمع بداية الحروب بين العرب والبربر بدأ ظهور الطاعون، ومن بين المؤرخين الذين تحدثوا
عنه ابن خلدون وابن عذاري والقيرواني ...
ظهر في القرن الثامن ميلادي طاعون سببه الحروب التي حدثت بعد تمرد الخوارج بشمال إفريقيا.
ومع قدوم الأغالبة لم يسجل التاريخ أوبئة كبيرة في تونس.
حكم بعد ذلك الفاطميون إفريقية (تونس) في القرن العاشر ميلادي وسنة 915 ظهر وباء بإفريقية وضرب خاصة القيروان. عاد الوباء مرة أخرى الى المدينة سنة 929م.
بداية من القرن الحادي عشر ومع حكم الزيريين أو الصنهاجيين لتونس، ضرب طاعون البلاد وبالتحديد سنة 1004.
تسبب هذا الوباء إضافة الى المجاعة في موت الكثير من الناس. مع قدوم الهلاليين عرفت تونس ظهور مرة ثانية للوباء سنة 1076.
خلال الفترة الحفصية
-الوباء الغير محدد لسنة 1259:
ظهر في تونس مرض غير محدد سنة 1259 وقد نُسب الى نتائج سقوط بغداد واعتل به السلطان الحفصي المستنصر لأيام.
حمى التيفوئيد: -
) Typhoid fever (
قاد ملك فرنسا لويس التاسع الحملة الصليبية الثامنة وانطلق نحو تونس سنة 1270 أملا في فرض الدين المسيحي على الدولة الحفصية ولكنه توفي بحمى التيفوئيد بمجرد أن وطئت قدمه البلاد.
-الطاعون الأعظم في منتصف القرن 14:
سمي هذا الطاعون بالطاعون الأعظم او الطاعون الأكبر لما كان له من آثار حادة في البنية الديمغرافية ة الاقتصادية لتونس في ذلك الوقت. انتشر هذا الوباء بواسطة السفن التي كانت تأتي من الشام او إيطاليا وذلك سنة 1347. واكتسح الوباء مدينة تونس خلال الحملة المرينية. ارتفع عدد الضحايا في شهر جوان 1349 حيث كان يموت يوميا حوالي 1000 شخص ويقول ابن خاتمة الأنصاري (1333-1369م) أنه في بعض الأيام بلغ عدد الموتى بمدينة تونس 1202، وتواصل الوباء بإفريقية الى سنة 1349. من بين الذين ماتوا أب ابن خلدون.
-الطواعين الموالية للطاعون الأعظم في تونس في فترة الدولة الحفصية:
يقول "يوحنا ليون الافريقي" (الحسن بن محمد الوزان) أن الأوبئة تظهر كل عشرة سنوات أو كل خمس عشرة أو خمسة وعشرين سنة وأكد ذلك أحمد السعداوي، فقد أحصى الى نهاية القرن الخامس عشر حوالي 10 طواعين بمعدل طاعون كل عشرة أو عشرين سنة ومن بينها طواعين 1347-1350 و1364و1367 و1393 و1402 و1412-1415 و1440-1443 و1452-1453 و1466-1468 و1492-1493 و1498-1499. وكانت هذه الطواعين استفاقة للطاعون الأعظم ولكنها أقل فتكا منه وكان بعضها محليا ولم يتمدد. لكن طاعون 1440-1443 كان فتاكا حسب الزركشي «هلك فيه جمع من العلماء والأعيان".
كما كان طاعون 1466-1468 صعبا أيضا واستمر بتونس الى سنة 1468. وحسب الزركشي بلغ عدد الهالكين به ألفا كل يوم ويقول ابن أبي دينار أن "وقيل إنه بلغ عدد الموتى به الى أربعة عشر ألفا في كل يوم، وحصر في الزمام أربعمائة ألاف عدا من يدخل الزمن نحو المائة ألف".
وقدر الرحالة الهولندي الذي زار تونس بعد سنتين من الوباء عدد الضحايا بتونس العاصمة حوالي 260 ألفا.
حدث طاعون خلال فترة حكم أبو عمرو عثمان بن المنصور بن أبي فارس عبد العزيز(1435-1488) ومات به حسب بن أبي الضياف" من أهل المملكة أربعمائة ألف نفس وانتهى عدد الموتى في يوم من أيامه الى أربعة عشر ألفا من سائر أهل المملكة واعتزل السلطان الناس وانزوى ببستان باردو أكثر من عام".
انتهى القرن الخامس عشر بوباء عنيف أيضا وبدأ سنة 1492 وتواصل الى سنة 1493، مات من جراء هذا الوباء الخلق الكثير ومنهم السلطان الحفصي أبو زكريا.
كان أغلب السكان في تونس يستسلمون لوباء الطاعون على أنه قضاء لا مفر منه ودعم ذلك ضعف الطب في ذلك الوقت. وقد نصح الفقهاء والعلماء بالاستسلام له والصبر عليه وانتظار الشهادة، الا أن البعض حاول مقاومته بالعلاج والطرق البسيطة مثل أكل الحوامض وتبخير البيوت بالعنبر والكافور كما أكلوا البصل ...
اعتمد السكان كذلك على الأدعية والأذكار والصلوات في مقاومة الطواعين واستغل رجال الدين الأوبئة للدعوة الى احترام القيم الدينية وترك كل المعاصي وفسر بعضهم بأن الطاعون هو عقاب إلهي مسلط على الناس بعد كثرة الفساد في المجتمع.
أهم تواريخ الأوبئة في الفترة العثمانية
-طاعون 1592-1604
-طاعون 1604
وقع في فترة حكم عثمان داي وبالتحديد سنة 1604 طاعون جارف عرف وقتها "بوباء بوريشة" ودام نحو العامين.
-طاعون 1620-1621
انتشر خلال فترة حكم يوسف داي عرف "بوباء أبي الغيث القشاش" لأنه توفي به وبدأ سنة 1620 واختفى سنة بعدها.
-طاعون 1622-1624
أعلم "كلود سيفر" قنصل فرنسا بتونس قنصل مرسيليا يوم 27 مارس 1622 بظهور طاعون بالحاضرة مما أجبره إلى الانتقال إلى طبرقة. كما صدرت رسالة من نفس القنصل في جويلية 1624 جاء فيها أن الطاعون انتشر في بنزرت وفي السجون.
-طاعون 1636
ظهر هذا الطاعون سنة 1636 ومن بين ضحاياه الداي محمد خوجة.
-طاعون أحمد خوجة
كان أحمد خوجة من دايات تونس وتولى الأمر من سنة 1640 إلى سنة 1647، وقع في أيامه طاعون دام سبع سنين وعرف بوباء أحمد خوجة.
-طاعون 1662-1663
ظهر هذا الوباء في الجنوب الجزائري والجنوب التونسي.
-طاعون 1675-1679
ضرب الطاعون تونس، كان علي باي يرفض حضور الجنائز خوفا من أن يكون مصابا بالوباء، حسب القنصل الفرنسي بتونس، كان عدد الضحايا حوالي 40.000 في ستة أشهر وقد أصاب الوباء أيضا وهران والمغرب وإسبانيا.
-طاعون 1689-1690
تسبب هذا الطاعون في وفاة أكثر من 60.000 شخص في 6 أشهر.
عرفت تونس كذلك خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أكثر الأوبئة فتكا في تاريخها وتاريخ العالم.
ومنذ انتهاء وباء الكوليرا الذي انطلق في عهد أحمد باي فإن تونس لم تعرف انتشارا كبيرا للأوبئة.
-طاعون 1702-1705
بدأ انتشار الطاعون خلال اخر أيام الدولة المرادية وانطلق من جزيرة جربة في ماي 1702 إلى شهر سبتمبر من نفس السنة، ليضرب مدنا أخرى مثل صفاقس من ماي إلى جويلية 1703، ثم اجتاح شمال البلاد ومنطقة الساحل عام 1704.ودام الوباء في العاصمة تونس مدة 6 أشهر.
لا يوجد تحديد لعدد الوفيات بسبب موجة الطاعون ولكنه حصد أرواح عديد التونسيين طيلة تلك الثلاث سنوات.
-طاعون 1784-1785
عرفت تونس أسوء وباء في تاريخها بين سنتي 1784-1785 حيث حصد الوباء مئات الالاف من السكان وقد انتشر بعد عودة 150 حاجا عبر ميناء الإسكندرية عام 1783 مات منهم 10 في السفينة التي حطت في ميناء تونس ومنها انتشر الوباء القاتل في البلاد.
حصد الوباء أرواح تونسيين بمعدل 90 حالة وفاة يوميا في العاصمة، وارتفع المعدل الى 300 حالة وفاة في سوسة والمنستير وأغلقت البعثات الديبلوماسية أبوابها.
لم تنخفض موجة انتشار الوباء الا في فصل الصيق بتسجيل معدل بين 12 و18 وفاة يوميا في شهر جويلية 1784، ثم لم تسجل أي حالة وفاة في جميع جهات البلاد في شهر أوت الموالي.
ثم انحصر انتشار الوباء بشكل كبير في سبتمبر وأكتوبر في تونس العاصمة ولكن سرعان ما عاد للانتشار في الكاف الذي حصد أرواح ثلث سكانها وأيضا في الساحل، ولم ينته شهر أكتوبر حتى عاد الوباء للانتشار بقوة مجددا بما في ذلك تونس العاصمة حاصدا أرواح 18 ألف من سكانها منذ بدء انتشاره.
وحلت سنة 1785 وقد انتشر الطاعون بقوة خاصة في الشمال الغربي والعاصمة التي سجلت معدل وفيات بين 200 و250 حالة يوميا طيلة شهري جانفي وفيفري 1785، وواصل الوباء اجتياحه بشكل مهول في فصل الربيع ليصل لمعدل 500 حالة وفاة يوميا في شهر ماي من نفس السنة ثم تراجع حتى اندثر تماما في أوت سنة 1786.
-طاعون 1794-1800:
بعد نحو عشر سنوات، عاد وباء الطاعون ليجتاح تونس لكن هذه المرة دام فقط 6 أشهر ولم يكن قاتلا كما كان قبل عقد من الزمن. ولكن ظلت مناطق شرق البلاد وجنوبها آمنة مقابل إنتشارالوباء في العاصمة وقيل إنه لا توجد عائلة في شهر جويلية من ذلك العام لم تذرف الدموع على أحد أفراد عائلتها، قبل أ يتراجع انتشاره في شهر أوت.
وواصل الوباء يظهر كل عام ويضرب في كل مرة جهة من جهات الإيالة التونسية، حتى عام 1798، ثم عاد بشكل محدود عام 1799 وتكرر انتشار الطاعون عام 1800.
-طاعون 1818-1820:
شهدت تونس موجة جديدة لوباء الطاعون عام 1818 تحديدا انطلاقا من شهر أكتوبر ليستمر انتشاره طيلة عام كامل الى غاية سبتمبر 1819 ولكن دون اندثاره، لننتظر عاما آخر حتى أعلن الأطباء بصفة رسمية من قصر باردو في سبتمبر 1820 خمود وباء الطاعون الذي اجتاح البلاد طيلة سنتين بعد عدم تسجيل أي حالة وفاة منذ أوت 1820.
الثابت والمتحول في سلوكات التونسيين بين الأمس واليوم
من البديهي القول إن المقارنة لا تصح إلا بتوفير عناصر التشابه بين الظواهر المعنية بالمقارنة. فوباء "الكورونا" الذي اجتاح البلاد هذه الأيام قادما من إيطاليا هو الأقرب من حيث المقارنة مع وباء الكوليرا الذي ظهر في الإيالة التونسية بداية من 2 ديسمبر 1849. ويذكر أحمد بن أبي الضياف في كتاب الإتحاف أن تعبير الكوليرا هو الاسم الذي أعطاه "أطباء الإفرنج" لهذا الوباء. أما في بلاد الحجاز فكان يعبر عنه حينئذ "بالريح الأصفر" الذي "لم يتقدم مثله في هذا القطر" من حيث عدد الوفيات التي حصلت من جرائه. وكما هو الحال اليوم بالنسبة للكورونا، لم يكن حينئذ أي دواء متوفر لمجابهة الكوليرا عند حلولها وظهورها بالبلاد.
إن وجود أوجه التشابه هذه ستسهل علينا عملية مقارنة سلوكات التونسيين في هذين العهدين رغم تباعدهما في الزمن.
-كوليرا 1849-1850:
شهدت تونس نهاية عام 1849 انتشارا للكوليرا في جهة باجة ما أدى لمئات حالات الوفاة في المدينة، وهرب الناس للأرياف في الجهة هربا من الوباء الذي واصل انتشاره عام 1850 في تونس العاصمة وارتفعت حالات الوفاة بمعدل 100 وفاة كل يوم.
اضطر الباي لعزل نفسه في قرطاج ثم في قصر المحمدية، وهربت أفواج من الجالية اليهودية الى الجزائر وفرنسا، وتواصل انتشار الوباء في الربيع ثم بداية الصيف لينتهي في أوت 1850.
-كوليرا 1856:
عاد وباء الكوليرا بعد 6 سنوات لكن هذه المرة بدأ من طرابلس في صيف 1856 ليجتاح جزيرة جربة ثم منطقة الساحل ووصل في منتصف شهر جويلية تونس العاصمة. وحسب الديبلوماسي الفرنسي ليون روش ضرب الوباء في البداية يهود تونس ثم انتقل للمسلمين والمسيحيين. وقد بلغ أشد درجات انتشاره في نهاية أوت ليندثر تباعا بعد ما حصد أرواح 6 آلاف تونسي.
-كوليرا 1867:
ظهر هذا الوباء في جوان 1867 وانتشر أولا في يهود الحاضرة ثم في مسلميها. في شهر ماي 1867 تم الاعلام عن بعض حالات الكوليرا بصفاقس من قبل قائدها حسونة الجلولي وانتشر الوباء بكثرة في المدينة في شهر جويلية وسجلت الاحصائيات بين 5 و13 ضحية يوميا. وأكثر الفئات المعرضة للوباء عي الفئات الضعيفة والمساجين...وأعلم حسونة الجلولي الوزير بأنه لا يوجد طبيب في صفاقس.
بعد الاحتلال الفرنسي
لمدة حوالي 70 سنة (من 1837 الى 1907) لم يسجل طاعون بتونس. ويعود ذلك الى وسائل الوقاية التي اعتمدت في البلاد مثل مراكز الكرنتينية (الحجر الصحي) وظهور بعض مخابر التحاليل ولكن عاد الطاعون سنة 1907.
-طاعون 1907 والطواعين الموالية:
جاء هذا الطاعون من البحر وظهر أول مرة عند أحد السكان الذين يعملون في الميناء بعد أن حمل بعض الاخشاب التي كانت تحتها فئران مصابة. لم يكن عدد المصابين كثيرا وتواصل المرض الى سنة 1908 ثم عاد في جوان 1910 وفي فترات لاحقة مثل 1915 و1921 لكن لم يسبب أضرارا كبيرة وبلغ عدد الحالات بين سنتي 1921 و1922، 14 حالة من بينها 6 حالات وفاة.
عاد الطاعون في فيفري 1924 في تونس وجربة.
-طاعون 1926-1927:
قام بدراسة هذا الوباء "أدوارد بلوش" في أطروحة الدكتوراه التي كتبها حول الطاعون بتونس. وحسب رأيه فقد انتشر الوباء في الجنوب التونسي من خلال القوافل التجارية بداية من سنة 1926 وتسبب في إصابة 252 حالة في القيروان (81 حالة وفاة) و232 حالة بصفاقس (160 حالة وفاة)، ثم عاد الوباء سنة 1927 وسٌجل بصفاقس 179 حالة من الطاعون الديلي (68 حالة وفاة) و47 حالة من الطاعون الرئوي (47 حالة وفاة).
-طاعون 1929:
ظهر هذا الوباء بتونس العاصمة بداية من شهر ديسمبر 1929.
-طاعون الأربعينات من القرن العشرين:
تم تسجيل 12 حالة من الطاعون بتونس في سنة 1940 وتم تسجيل حالة واحدة سنة 1941. وخلال الحرب العالمية الثانية سٌجلت 37 حالة من الطاعون في بنزرت وتونس (25 حالة عند الأوروبيين و12 حالة عند التونسيين). وقد افترض المختصون أن حالات الطاعون سببها كثرة العمليات العسكرية في الموانئ التونسية خلال الحرب العالمية الثانية.
-طواعين بداية القرن العشرين المسجلة حسب المناطق:
*تونس: 1907/1909/1914/1921/1922/1926/1927.
*بنزرت:1921.
*بن قردان:1920/1923/1928.
*جرجيس:1921/1926.
*مدنين:1921.
*الفحص:1923.
*القيروان: 1926/1927.
*صفاقس:1926/1927.
*منطقة السواسي: 1926/1927.
وباء الكورونا: بدايات سنة 2020
لا حديث هذه الأيام إلا عن فيروس "كورونا" الذي يجتاح العالم منذ أسابيع وبلغ درجة انتشار بوتيرة متسارعة بالخصوص في الجارة الشمالية إيطاليا، ليصل تونس تباعا عبر حالات مستوردة، ما دفع السلطات الرسمية لتعزيز الإجراءات الوقائية لكبح جماح انتشار هذا الفيروس الذي بات يهدد العالم واعتبار هذا الوباء جائحة عالمية عمت كافة القارات والبلدان ولم تعد مقتصرة على الصين كما بدا الأمر في الأسابيع الأولى.
إن فيروسات كورونا هي زمرة واسعة من الفيروسات تشمل فيروسات يمكن أن تتسبب في مجموعة من الاعتلالات في البشر، تتراوح ما بين نزلة البرد العادية وبين المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة.
نجد بين الأمس واليوم أوجه شبه عديدة من حيث انتشار مظاهر ضعف الوعي بخطورة الوباء وهو ما تجلى في السلوك الغير مسؤول الذي صدر في الأشهر الأولى من انتشار هذا الوباء كرفض تخصيص أماكن حجر صحي _تكون مراقبة من طرف مختصين في المجال الوبائي من قبل بعض المسؤولين.
علاوة على المواقف الجامعة بين الأنانية المفرطة والاستسلام للقدر والمعبر عنها بمواصلة التجمعات في الأسواق وفي بعض المقاهي وفي تنظيم الأفراح أو إقامة الصلوات الجماعية أمام بعض المساجد حتى بعد ان تم غلقها....
منذ القديم وعندما ظهر وباء الكوليرا في عهد احمد باي مثلا اعتمد القائمون على الدولة على خطة منطقية لمجابهة الوباء، فنراهم يعاينون نقطة انطلاق هذا الوباء المذكور آنفا والاهتمام بمكان ظهوره ويحرصون للحيلولة دون بلوغ هذا الوباء مناطق أخرى، كذلك اعتماد إجراء الكرنتينة (الحجر الصحي) وعديد الإجراءات الأخرى التي اعتمدها الباي أحمد وله بذلك يد حسنة في البلاد اقتضت مزيد حبه. وكانت الدولة حاضرة عبر اعتماد الأطباء حيث جعلهم الباي بربضي المدينة (باب سويقة وباب الجديد) وصرف في هذه الازمة أموالا عظيمة...
هكذا تصرف التونسيون بالأمس كما هو شأنهم اليوم أمام المصائب والأوبئة. وقد اضطر حكامهم أحيانا ومع انتصارهم لمبدأ "المصلحة" والقيام بما يفرضه العقل والعلم في مجابهة الوباء.
في مقارنة بسيطة في سلوكات التونسيين بغيرهم وحتمية المشاركة في الحرب على الكورونا: نقلت وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة مشاهد من فرنسا ومن إيطاليا وفي عدة بلدان أخرى متضررة هي أيضا من وباء الكورونا وقد لفت انتباه المتابعين وجود تشابه بين تلك السلوكات وقربها لما نشاهده حولنا من لهفة على تجميع المؤونة بجميع أنواعها وأدوات النظافة والكمامات.
كما ان التشابه بين تهاتف التونسيين على المساحات التجارية وما نلاحظه عبر عدة فضائيات من حصول نفس اللهفة في عديد البلدان الأوروبية يدل على أننا أما ظاهرة دفاعية بشرية عابرة للمجتمعات.
ملاحظة أخرى نوردها محاولة لتفسير ردود الأفعال التي ظهرت عندنا ولدى غيرنا فهي تنطلق مما جاء في كلمة السيد إلياس الفخفاخ في سهرة الإثنين 16 مارس حين نبه الى أنه في صورة عدم التزام التونسيين بالإجراءات التي تم اتخاذها حين قال "فعوض أن يكون العدد بالمئات في الأسبوع المقبل وسيجدون العلاج وإلا عدد المصابين سيكون بالآلاف".
ندعو من موضعنا هذا يجب على الجميع الالتزام بجميع ما تعلنه السلطات السياسية في بلادنا من إجراءات صارمة يجب على الجميع التقييد بها.
وفي الختام نوجه تحية شكر وتقدير واحترام وامتنان لجنودنا البواسل من أطباء وكامل الطاقم الطبي الواقفين في الصفوف الامامية في هذه الحرب على الكورونا.
كما يتحتم علينا نحن كمثقفين ومنتجي أفكار _كل من موقعه_ المساهمة بقسطنا في هذه الحرب التي باتت كونية ضد هذا العدو الخفي المهدد لحياتنا وللبشرية.
كما ندعو الجميع الى تحمل مسؤولياتهم لنشر الوعي بمخاطر هذا الوباء واستخلاص كامل الدروس من التجارب الماضية بالاعتماد على الطرق العلمية والعملية لدحر هذه الآفة المستجدة وتحقيق الانتصارات كما حٌققت في السابق.
عمار لملومي
مدنين، تونس في 13 ماي 2020
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire